فصل: مسألة استحلفه بطلاق امرأته ليقضينه إلى أجل كذا وكذا إلا أن يشاء البائع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة له على رجل حق فحلف بالطلاق ليستقضين منه حقه فهلك الغريم:

وقال في رجل كان له على رجل حق فحلف بالطلاق ليستقضين منه حقه، ولا يرخص له، فهو فيما يخاصم الغريم حتى هلك الغريم.
فقال: يستقضي من ورثة الغريم، ولا يرخص لهم، ولا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الحالف على مثل هذا إنما مقصده استعجال قبض حقه لينتفع به، فتحمل يمينه على ذلك، ولا تنحل عنه اليمين بموت المحلوف عليه، إلا أن تكون له نية أنه أراد التضييق عليه بعينه، فتكون له نية إن جاء مستفتيا غير مطلوب بحكم اليمين بالطلاق، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بالطلاق أنه لا يقضي غريما له اليوم شيئا فلظ به الغريم:

وقال في رجل حلف بالطلاق أنه لا يقضي غريما له اليوم شيئا، فلظ به الغريم، وقال لرجل له عليه دين: ادفع إليه فضمنه له إلى غد.
قال: هو حانث ولا ينوى.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن هذا حوالة على أصل دين، والحوالة قضاء بنفس لزومها، وإن كانت إلى أجل، وقد مضى بيان هذا، والقول فيه في رسم بع ولا نقصان عليك، من سماع عيسى، وقوله: ولا ينوي معناه مع قيام البينة، ولو أتى مستفتيا كانت له نيته فيما يدعي، وبالله التوفيق.

.مسألة قال امرأته طالق إن لم أكن أدخلت غنمي السوق يوم الجمعة يريد قبل الأحد:

وقال في رجل قال لجلاب: أدخلت غنمك في السوق يوم الأحد حين فاتك السوق؟ قال: امرأته طالق إن لم أكن أدخلتها يوم الجمعة، يريد أي أدخلتها قبل الأحد، وإنما هو قد أدخلها يوم السبت.
قال: لا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: أما الذي عوقب على إدخال سلعته السوق بعد فوات السوق، فحلف بالطلاق لقد أدخلتها السوق يوم الجمعة، وإنما أدخلها السبت، فقوله: لا شيء عليه صحيح على مراعاة المعنى؛ لأنه إنما أراد أنه لم تتأخر سلعته عن سوقها، وهذا إن كانت سوق تلك السلعة يوم السبت، وأما إن كانت سوق تلك السلعة إنما هو يوم الجمعة فهو حانث، إذ تأخر بها عن سوقها، وعن اليوم الذي حلف عليه، وقد قيل: إنه حانث وإن كان سوق تلك السلعة يوم السبت، وهذا على الاعتبار بلفظه دون معنى يمينه؛ إذ هو أصل قد اختلف فيه، وإلى هذا نحا في كتاب ابن المواز، فقال في موضع: أخشى عليه، وأما الذي سئل سلف خمسة دنانير فحلف أنه ليس معه إلا خمسة دنانير، فإذا هو ليس معه إلا أربعة دنانير، فبين أنه لا حنث عليه؛ لأنه إنما أراد أنه ليس معه أكثر من خمسة دنانير، وبالله التوفيق.

.مسألة قال امرأته طالق إن لم أربح غدا درهمين:

وقال في رجل قال: امرأته طالق إن لم أربح غدا درهمين، قال: إن علم أنه من شيء يرتجى ربحه، يقول: أنا أربح غدا درهمين في هذا الثوب، أو في هذه الدابة، أو أقتضي من غلامي غدا درهمين، أو يهب لي فلان درهمين، فأصاب من الغد درهمين بشيء من هذه الوجوه، فلا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا أصاب من الغد درهمين بشيء من هذه الوجوه، فلا شيء عليه؛ لأنه لم يحلف إلا على شيء رجاه، فلا اختلاف في أنه لا شيء عليه إذا سلم مما غرر فيه اليمين عليه، ولو عثر على ذلك قبل غد لما عجل عليه الطلاق حتى ينظر، هل يربح الدرهمين غدا من وجه تلك الوجوه التي ذكر أم لا؟ لأنه إنما هو بمنزلة من قال: امرأتي طالق إن لم يوهب لي غدا درهمان، فلا يعجل عليه الطلاق؛ لأنه يقول: لا أعدم من يهب لي غدا درهمين، وأنا قادر على أن يسلفها ممن لا يبخل علي بهما، بخلاف لو قال: امرأتي طالق إن لم تضع فلانة حملها غدا لما يرى بها من إمارة قرب وضعها، وإن لم يمت فلان غدا لما يرى به من أسباب الموت، هذا يعجل عليه الطلاق إن عثر عليه قبل الأجل؛ إذ لا حيلة له، ولا عمل لتعجيل الوضع ولا الموت وما أشبه ذلك، وقد مضى بيان هذا كله في رسم يوصي، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بطلاق امرأته البتة ليبيعن عبده إلى غير أجل فمات العبد أو أبق:

وسئل عن رجل حلف بطلاق امرأته البتة ليبيعن عبده إلى غير أجل، فمات العبد أو أبق.
قال: إن كان عمل في بيعه، فعجله فوات نفسه، فمات قبل أن يبيعه، فلا شيء عليه، وإن كان فرط حتى مات حنث، فإن كان أبق فإن يضرب له أجل أربعة أشهر، ويوقف عن امرأته من يوم ترفعه، فإنه وجد العبد وباعه قبل انقضاء أربعة الأشهر، لم يكن عليه شيء، ولا طلاق عليه، فإن انقضت الأربعة أشهر، ولم يجده لم تكن عليه إلا طلقة واحدة، فإن وجده وهي في العدة وباع راجع امرأته، وإن لم يجده إلا بعد انقضاء العدة من يوم طلق عليه، لم يكن له عليها رجعة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها، فلا وجه للقول فيها، وقد مضت في رسم القطعان، من سماع عيسى، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يكلم فلانا فكتب فلان إلى ذلك الرجل كتابا فقرأه الحالف:

وسئل عن رجل حلف ألا يكلم عبد الله، فكتب عبد الله إلى ذلك الرجل يريد الحالف الذي حلف ألا يكلمه كتابا، فقرأه ذلك الرجل الحالف ألا يكلمه على نفسه، ولم يجب فيه بشيء.
قال: هو حانث، قيل له: فإنه حين أتى بالكتاب فدفعه إلى رجل، فقال أقرأه علي؟ فقال: إن قري عليه ما فيه بأمره؛ حنث، وإن قرأه الرسول عليه من غير أن يقول: اقرأه علي؛ فأرجو أن يكون خفيفا، وما ذلك بالبين، قيل له: فإن عبد الله كتب إلى رجل غير الذي حلف عليه كتابا، فجاء ذلك الرجل بذلك الكتاب إلى الذي حلف ألا يكلم عبد الله، فقال له: اقرأ علي كتاب عبد الله، فإنه كتب إلي هذا الكتاب، فقرأه عليه وأخبره بما فيه؟ قال: لا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه لا يحنث الحالف بقراءة كتاب المحلوف عليه، روى ذلك أيضا أبو زيد، عن ابن القاسم، وهو قول أشهب، حكى ذلك ابن المواز واختاره، وهو الصواب؛ لأن حقيقة التكليم هو أن يعبر الرجل للرجل عما في نفسه بلسانه عبارة يفهمها عنه إذا سمعه، فإنما يحنث الحالف ألا يكلم رجلا بالكتاب إليه إذا قرأه المحلوف عليه، وإن لم يكن مكلما له بذلك على الحقيقة، من أجل أنه قد وجد منه التفهيم، وهو معنى الكلام، والحالف إذا قرأ كتاب المحلوف عليه، فلم يوجد حقيقة التكليم ولا معناه؛ إذ لم يفهمه هو شيئا بقراءة كتابه، وإنما المحلوف عليه هو الذي أفهم الحالف، فوجب ألا يحنث، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف إن تزوج فلانة فهي طالق البتة:

قال: وكتب إلى ابن القاسم صاحب الشرط في رجل حلف: إن تزوج فلانة فهي طالق البتة، فتزوجها فدخل بها، فرفع ذلك إلي، فأردت أن أفرق بينهما، فكتب إليه ابن القاسم: لا تفرق بينهما.
قال: وبلغني عن ابن المسيب أن رجلا قال: حلفت بطلاق فلانة إن تزوجتها، قال: تزوجها وإثمك في رقبتي، وزعم أن المخزومي ممن حلف على أمة بمثل هذا.
قال محمد بن رشد: راعى ابن القاسم في هذه الرواية قول من ذهب من أهل العلم إلى أنه لا يلزم الرجل طلاق ما لم ينكح، بدليل ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قوله: «لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك»، وهو مذهب الشافعي وكثير من العلماء، فلم ير أن يفرق بينها إذا دخلا، والمشهور في المذهب أنه يفرق بينهما على كل حال وإن دخلا، ولا يراعى الاختلاف في هذا، ومراعاته فيه شذوذ في المذهب، وإنما الاختلاف المشهور في مراعاته في الميراث والطلاق والعدة، فقيل لهما: لا يتوارثان إن مات أحدهما قبل أن يعثر على ذلك، وإن كان هو الميت لم يلزمها عدة إلا أن يكون موته بعد الدخول، فتعتد بثلاث حيض، وهو قول مالك في كتاب ابن المواز، واختيار ابن القاسم في رسم الرهون، من سماع عيسى قبل هذا، ودليل ما في المدونة، وعلى هذا لا يكون الفسخ فيه طلاقا، ولا يلزمه فيه ما طلق قبل أن يعثر عليه؛ لأنه قد طلق من قد بانت منه بالعقد، ولا يكون لها من الصداق نصفه إن طلق قبل الدخول، أو فرق بينهما قبله، وقيل: إنهما يتوارثان إن مات أحدهما قبل الفسخ، ويلزمه ما طلق قبل أن يعثر عليه، وإن كان هو الميت اعتدت أربعة أشهر وعشرا، ويكون الفسخ فيه طلاقا، ويكون لها نصف الصداق إن فرق بينهما قبل الدخول، وإنما يراعى الاختلاف في وجوب الحد، ويلحق فيه النسب في المشهور في المذهب، وقد شذ ابن حبيب، فلم يراع الاختلاف في ذلك، وأوجب الحد، وأسقط النسب في ذلك إذا كان الذي فعل ذلك عالما غير جاهل، فمراعاة الاختلاف في ألا يفرق بينهما شذوذ، وترك مراعاته في درء الحد وإلحاق النسب شذوذ وغلو، والاختلاف في مراعاته في الميراث والطلاق والعدة متكافئ في المذهب، والاختلاف فيه- أعني في المذهب- في وقوع الحرمة به، وبالله التوفيق، ووقع في كتاب ابن زرب زيادة في قول ابن المسيب إثمها وإثمك في رقبتي، والمعنى في ذلك واحد؛ لأن الإثم اللاحق لا يختص بالواحد منهما دون الآخر.

.مسألة حلف بطلاق امرأته ليخرجن بها في مرته هذه وكان يريد سفرا:

وقال في رجل حلف بطلاق امرأته: ليخرجن بها في مرته هذه، وكان يريد سفرا فخرج، فلما سار ذكر يمينه، فانصرف فحملها.
قال: أراه حانثا.
قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأن الحنث قد وقع عليه لأول خروجه دونها في تلك المرة التي حلف ليخرجن بها فيها، على أصولهم في أن الحنث يدخل بأقل الأشياء، ولا يسقط عنه الطلاق الذي قد لزمه رجوعه عنها، وإخراجه وإن كان من قرب، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بطلاق امرأته في أرض إنك لا تحرثها فحرثها ليلا:

وقال ابن كنانة في رجل حلف بطلاق امرأته في أرض كانت بينه وبين رجل فيها منازعة: إنك لا تحرثها أبدا إلا أن تغلبني عليها، ثم إن الأرض طرقها، فحرثها ليلا، فهل تراه حانثا؟
قال: لا، ولكن يدين ويحلف بالله أنه ما أراد بيمينه إلا أن يمنعه إذا أراد الحرث، فإنه لا يدعه إلا أن يغلبه عليها، فإن حلف لم يكن عليه شيء، قال ابن القاسم: هو حانث، ولا ينوى في ذلك إلا أن يؤخذ فيربط، ويحرث ويحبس، فلا يكون عليه شيء.
قال محمد بن رشد: طروقه بالأرض وحرثه إياها ليلا بغير علمه مقافصة له فيها، مغالبة له عليها، وهو لم يستثن في يمينه إلا المغالبة، فوجب أن يكون حنث بظاهر يمينه، إلا أن يكون نوى أنك لا تحرثها بعلمي إلا أن تغلبني عليها، فالاختلاف بين ابن كنانة وابن القاسم إنما هو هل يصدق في نيته مع قيام البينة عليه باليمين أم لا؟
فقال ابن كنانة: إنه يصدق في قوله مع يمينه، وقال ابن القاسم: هو حانث، ولا ينوى في ذلك؛ يريد مع قيام البينة عليه باليمين، وذلك صحيح على أصولهم في أن من ادعى نية مخالفة ليمينه لا تقبل منه، ولا يصدق فيها إلا أن يأتي مستفتيا مثل أن يقول: امرأتي طالق إن كلمت فلانا، أو اشتريت ثوبا، فيكلمه ويقول: نويت شهرا، أو يشتري ثوبا ويقول: نويت شيئا، وقول ابن القاسم: هو حانث، ولا ينوى في ذلك، إلا أن يؤخذ فيربط، ويحرث ويحبس، فلا يكون عليه شيء ليس على ظاهره؛ لأن فيه تقديما وتأخيرا وتقديره، قال: لا ينوى في ذلك، وهو حانث، إلا أن يؤخذ فيربط، ويحبس وتحرث، فلا يكون عليه شيء.

.مسألة حلف لامرأته أنت طالق إن لم أتسرر عليك فاشترى جارية فوطئها وعزل عنها:

وقال فيمن حلف لامرأته: أنت طالق إن لم أتسرر عليك، فاشترى جارية فوطئها وعزل عنها، هل تخرجه ذلك من يمينه؟
قال: إذا تسررها فوطئها فلا شيء عليه، يريد بالوطء مرارا، بمنزلة الرجل يريد حبس الجارية، قال ابن القاسم مرة أو مرتين، سواء أراد حبسها أو لم يرده.
قال محمد بن رشد: قد اختلف في التسرر ما هو؟ فقيل: إنه الوطء، وإليه ذهب مالك وعامة أصحابه، وعلى هذا يأتي قول ابن القاسم هذا: إنه إذا وطئها مرة أو مرتين فقد بر، وإن عزل عنها، ولم يرد حبسها ولا اتخاذها، وقيل: إنه الاتخاذ للوطء، وهو قول ابن كنانة، يقوم ذلك من قوله في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من كتاب العتق، في الذي يقول: كل أمة أتسررها فهي حرة، فيشتري خادما تخدمه فيطأها؛ أنها لا تكون حرة في مثل هذا إلا أن تحمل، يريد أنه لا يلزمه حريتها بتلك الوطأة، إلا أن تحمل منها إذا لم يطأها متخذا لذلك، فعلى هذا القول يأتي قوله في هذه الرواية: يريد بالوطء مرارا، بمنزلة الرجل يريد حبس الجارية، يريد حبسها للاتخاذ، فأرى قائل ذلك ابن كنانة، والله أعلم؛ لأنه مذكور في المسألة التي قبلها، وهذه معطوفة عليها.
وقيل: إنه الحمل، فعلى هذا القول لا يبر الذي يحلف بطلاق امرأته إن لم يتسرر عليها جارية فيطأها، وإن نوى حبسها لذلك ولم يعزل عنها، وهو على حنث في امرأته؛ لا يجوز له وطؤها حتى تلد منه جارية، فإن طلبت امرأته الوطء ورافعته في ذلك طلق عليه، وقيل: يضرب له أجل المولي، ويطلق عليه عند انقضائه بالإيلاء، إلا أن ترضى أن تقيم معه دون وطء، هذا هو الحكم في هذه اليمين على هذا القول، على قياس ما وقع في الإيلاء من المدونة في نظير هذه المسألة، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يئويه وفلانا سقف بيت أبدا فمر بسقيفة فيها طريق:

وقال مالك في رجل حلف ألا يئويه، وفلانا سقف بيت أبدا، فمر بسقيفة فيها طريق، وهو يعلم أن الذي حلف عليه فيها، قال: إنما حلفت ألا أجلس معه تحت سقف بيت أبدا، وإنما مررت بالطريق.
قال: إن كان طريق يمر فيه بغير إذن، وهي نافذة، فإنه بريء، ولا أرى عليه حنثا، وإن كان إنما هو بيت يستأذن فيه، ولا يدخل فيه إلا بإذن، فلا أراه ألا حانثا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها موعبا مجودا في الرهون، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بالطلاق ألا يكلم رجلا فشتمه الذي حلف عليه ألا يكلمه:

وقال في رجل حلف بالطلاق ألا يكلم رجلا فشتمه الذي حلف عليه ألا يكلمه، فلم يرد عليه شيئا، وإلى جانبه رجل، فقال للرجل الذي إلى جانبه: ما أنا كما قال.
قال: أراه حانثا، إنما أراد أن يسمعه، فإن كان أراد أن يسمعه فسمعه، فهو حانث.
قال محمد بن رشد: في قوله في هذه المسألة: إن كان أراد أن يسمعه فسمعه فهو حانث، دليل على أنه إن لم يسمعه فلا حنث عليه، وهو مثل ما مضى في رسم الطلاق الثاني، من سماع أشهب، بخلاف إذا كلم المحلوف عليه فلم يسمعه، وقد مضى التكلم على الوجهين، وما يتعلق بهما موعبا في رسم الطلاق الثاني، من سماع أشهب، وفي رسم سلف، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة رمى امرأته بعصا فحلف بطلاقها البتة إن كان ضربها بيده:

وقال فيمن رمى امرأته بعصا كانت معه، فشكت ذلك، وقالت: ضربني فعوتب في ذلك، فحلف بطلاقها البتة إن كان ضربها بيده. فقال: هو حانث إلا أن يكون نوى إن كان ضربها بيده بلطمة، أو مثل ما يضرب الناس ينوي ذلك، وإلا فهو حانث، ورأيته ضربا، ونزلت بالمدينة فأفتى بذلك، وقال لو كانت عليه بينة ما دينته وحنثته، سواء قال بيده أو لم يقل هو سواء.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة والله أعلم، أنها قالت: ضربني؛ فأبهمت الضرب، ولم تبين كيف ضربها؟ فعوتب في ذلك، وقيل له: ضربت امرأتك؟ فحلف بطلاقها أنه ما ضربها، ثم أقر لما ادعى عليه أنه قد كان ضربها قبل أن يحلف بالطلاق أنه ما ضربها أنه، قد كان رماها بعصا أو قامت عليه بذلك بينة، فلذلك قال: إنه لا ينوى، قال بيده أو لم يقل بيده؛ لأن من رمى امرأته بعصا فقد ضربها بيده، ولو قالت: كان رماني بعصا فعوتب في ذلك، وقيل له: رميت امرأتك بعصا؟ فحلف أنه ما ضربها بيده، فوجب أن ينوى؛ لأن بساط المسألة يدل على صدقه فيما ادعى من نيته، وبالله التوفيق.

.مسألة حلفت امرأته لئن قدم فلان لتسألنه الطلاق فبلغه فحلف لئن سألته ليجيبنها:

وقال فيمن غاب عن امرأته، فتزوج بالريف، فحلفت امرأته لئن قدم فلان لتسألنه الطلاق، فبلغه ذلك فحلف لئن سألته الطلاق ليعطينها أو ليجيبنها، فلما قدم قالت له: طلقني، فقال: أمرك بيدك، فلم تختر شيئا.
قال: لا شيء عليه إلا أن يكون أراد بقوله: لأجيبنها أو لأعطينها، أي لأطلقنها، وإلا فلا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه لا شيء عليه، إلا أن يريد بذلك لأطلقها؛ لأنه إذا ملكها أمرها في الطلاق فقد أجابها إلى ما سألته منه، وقد مضى في رسم الصلاة، من سماع يحيى القول، إذا حلف، لئن سألته الطلاق ليطلقها، فلما سألته ملكها أمرها، فذلك يغني عن القول فيما يكون الحكم إذا أراد بقوله: لأجيبنها أو لأعطينها؛ إذ لا فرق بين أن يلفظ بذلك أو يريده فيما يوجب الحكم عليه، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بالطلاق ألا يكسو امرأته ثوبا فكست نفسها ثوبا وكسا هو نفسه ثوبا:

وقال في رجل حلف بالطلاق ألا يكسو امرأته ثوبا، فكست نفسها ثوبا، وكسا هو نفسه ثوبا، فقالت له امرأته: ثوبك خير من ثوبي، فقال: أنا أبعث بثوبي، فإن كان هو خير فخذيه وأعطني ثوبك، فلم يأتها بالثوب، أتراه حانثا؟
قال: إن كان ثوبه خيرا من ثوبها فهو حانث، وإن كان ثوبه شرا من ثوبها، فلا حنث عليه، وإن كان أتاها بثوبه.
قال محمد بن رشد: قوله: إن كان ثوبه خيرا من ثوبها فهو حانث؛ يريد وإن لم يأتها بالثوب، ولا أسلمه إليها، فجعل قوله لها: فخذيه، إيجابا منه لها ذلك على نفسه كالعطية لا رجوع له فيها، ولذلك أوجب عليه الحنث بذلك، وقد قيل: إن العطية لا تجب عليه بهذا اللفظ، إلا أن يقول: فقد أعطيتك إياه، أو فقد وهبت لك، وهو الذي يأتي على قول مالك، في رسم البيوع الأول، من سماع أشهب، من كتاب جامع البيوع، في الذي يكون عنده العبدان فيقول للرجل الذي يسومه بهما: هذا العبد بأربعين إلى سنة، وهذا العبد الآخر بخمسين إلى سنة، فخذ أيهما شئت؛ فإنه لا بأس بذلك؛ لأنه لم ير ذلك لازما له، ولو رآه لازما له لقال: إن ذلك لا يجوز، كما قال في كتاب ابن المواز، من رواية أشهب عنه أيضا، فجوابه في هذه المسألة أن الحنث عليه يأتي على قول مالك في كتاب ابن المواز، ويأتي على قوله في العتبية أنه لا حنث عليه، إذ لم يجب عليه العطية بهذا القول، كما أنه لا يحنث من حلف ألا يبيع سلعة، فباعها على أنه فيها بالخيار حتى يجب البيع، وقد مضى ذلك في آخر رسم استأذن، من سماع عيسى، وبالله التوفيق.

.مسألة استحلفه بطلاق امرأته ليقضينه إلى أجل كذا وكذا إلا أن يشاء البائع:

وسئل عن رجل باع من رجل سلعة، واستحلفه بطلاق امرأته ليقضينه إلى أجل كذا وكذا إلا أن يشاء البائع أن يؤخره، فحل الأجل، والذي عليه الحق غائب، فأراد أن يؤخره وكره أن يحنثه، قال ابن القاسم: إذا أحضر لذلك شهودا من أجل أنه لو أخره ولم يحضر لذلك شهودا، فحل الأجل ولم يقضه لطلق عليه بما ظهر من حنثه، ولم يصدق البائع في قوله: إنه قد كان أخره، ولا ينبغي له أيضا هو في خاصة نفسه أن يصدقه مخافة أن يكون قد كذبه، إلا أن يستيقن صدقه بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يستيقن ذلك استحب له مفارقتها، ولو أخبره مخبر عدل قبل أن يحل الأجل أنه قد أخره لجاز له أن يؤخر قضاءه، ولا يحنث من طريق قبول خبر الواحد، لا من طريق الشهادة، وقد مضى نحو هذا المعنى في رسم الأقضية، من سماع أشهب، من كتاب النذور، وقوله: إنه نوى في نفسه حين لم يجده أن يؤخره؛ إن ذلك لا يخرجه من الحنث، صحيح لا اختلاف فيه؛ إذ لا يكون بنيته مؤخرا، كما لا يكون مؤخرا لو أشهد على نفسه أنه يؤخره حتى يشهد على نفسه أنه قد أخره، فلو نوى في نفسه أنه قد أخره؛ لكان مؤخرا في الباطن، كما أنه إذا نوى في نفسه أنه طلق امرأته أنها طالق فيما بينه وبين الله تعالى، على ما مضى في رسم الطلاق الأول، من سماع أشهب، إلا أنه لا ينبغي له أن يصدقه في أنه نوى ذلك مخافة أن يكون كذبا، وبالله التوفيق.

.مسألة اتخذ عليه الطلاق إن لم يوفه إلى أجل كذا فاستقالة صاحب الدنانير:

وسألته عن رجل سلف مائة دينار في قمح أو سلعة من السلع إلى أجل، واتخذ عليه الطلاق إن لم يوفه إلى أجل كذا، فاستقالة صاحب الدنانير مما اشترى منه قبل الأجل فأقاله.
قال: لا أحب له أن يسمع هذا، فإن وقع وكانت المائة دينار يوم ردها وفاء من السلعة التي عليه عند الناس، فأرجو ألا يكون حانثا، قلت له: فإن لم يكن فيها وفاء، ورد عليه الدنانير ثانية، وأقر البيع على حاله إلى أجله؟ قال: لا ينفعه ذلك، وهو حانث؛ لأنه بيع فاسد، أو لأنه لو أبى ذلك أحدهما لم يجبر على ذلك، وهو بيع مبتدأ، ولو أعطاه بذلك السلعة عند الأجل بعد الذي وصفت لا عطية أو صدقة، لم يخرجه ذلك من يمينه، ولم ينفعه ذلك، وإن أعطاه إياها، وهي تسوي الثمن لم أره حانثا؛ لأنه قد خرج من الوجه الذي قد حلف عليه فيه، وكذلك قال مالك.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى على ما في المدونة، وقد مضت في رسم النذور، من سماع أصبغ، ومضت أيضا والقول فيها في رسم إن خرجت، ورسم إن أمكنتني، من سماع عيسى، فلا وجه لإعادة ذلك.

.مسألة قال لامرأته أنت طالق إن أعطيتني الوديعة التي عندك فأعطته مائة دينار:

وقال في رجل قال لامرأته: أنت طالق إن أعطيتني الوديعة التي عندك، فأعطته مائة دينار، قال: قد استودعتك مائتي دينار: إنها تطلق عليه، ولا ينظر إلى قوله؛ لأنه مدع.
ولو قال: أنت طالق البتة إن أعطيتني المائة التي استودعتك، فقالت له: أنا أعطيك، فأخرجت خمسين، ثم قالت له: لا أعطيك شيئا.
قال: تقدم الخمسين الأخرى التي أقرت بها وتطلق، فإن جحدت لم يكن عليها غير ما أخرجت؛ لأنه أنزل أمره على أنه إنما حلف على الوديعة، وقد أخرجتها، وتطلق.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي قال لامرأته: أنت طالق إن أعطيتني الوديعة التي عندك، فأعطته مائة دينار، وادعى أنه كان استودعها مائتي دينار، أنها تطلق عليه، يريد بالحكم، وأما فيما بينه وبين الله تعالى، فلا يلزمه طلاق؛ لأن غرضه الذي طلق عليه لم يتم له، كمن قال لامرأته: أنت طالق إن أعطيتني مائة دينار، فأعطته خمسين، وأما الذي قال لها: أنت طالق إن أعطيتني المائة التي استودعتك، فقالت له: أنا أعطيك، فأخرجت خمسين، ثم قالت له: لا أعطيك شيئا، فإنما قال: إنها تقدم الخمسين الأخرى التي أقرت بها وتطلق؛ لأن معنى المسألة أنه خشي أن تجحده المائة، فقال لها بمحضر بينة: إن أعطيتني المائة فأنت طالق، فكان معنى يمينه إن أقررت لي بالمائة، وأعطيتنيها فأنت طالق؛ فلزمه الطلاق بإقرارها له بالمائة، وإن لم تعطه منها إلا خمسين؛ لأنه قادر على أن يأخذ منها الخمسين الأخرى، وقد تم له غرضه الذي طلق عليه بإقرارها له بجميع المائة، ولو كانت مقرة له بالمائة فقال لها: إن أعطيتني المائة فأنت طالق، لما لزمه طلاقها إلا بأن تعطيه جميع المائة، وقد مضى هذا المعنى مبينا في أول سماع ابن القاسم.
وقوله في آخر المسألة: فإن جحدت لم يكن عليها غير ما أخرجت إلى آخر قوله: ويطلق؛ إنما يعود على المسألة الأولى التي قال فيها: أنت طالق إن أعطيتني الوديعة، لا على التي قال: إن أعطيتني المائة؛ لأنه إذا قال لها: إن أعطيتني المائة التي لي عندك فأعطته خمسين، وجحدت أن يكون له عندها سواها؛ فلا يلزمه الطلاق؛ لأنه كمن قال لامرأته: أنت طالق إن أعطيتني مائة دينار، فلا تعطه إلا خمسين، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة يحلف بطلاق امرأته ألا تخرج إلا بإذنه فيأذن لها إلى موضع فتذهب إليه وإلى غيره:

وسمعته وسئل عن الرجل يحلف بطلاق امرأته ألا تخرج إلا بإذنه، فيأذن لها إلى موضع، فتذهب إليه وإلى غيره.
قال: هو حانث.
قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم خلاف قوله في الواضحة أيضا، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة وما يتعلق بمعناها في رسم سلف، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة قال امرأته طالق البتة إلا أن يمنعني أبي من ذلك فمنعه أبوه:

من نوازل سئل عنها سحنون وسئل عن رجل قال: امرأته طالق البتة إلا أن يمنعني أبي من ذلك، فمنعه أبوه، قال أصبغ: لا أرى عليه شيئا إن كرهه أبوه، ورد عليه، ومنعه منه بجد وصحة، وأراه بمنزلة قوله: إلا أن يشاء أبي، فلم يشأ أبوه، وأصل ذلك عندي في قوله: هي طالق إن شاء أبي، فلم يشأ.
قال محمد بن رشد: تشبيه أصبغ قول الرجل: امرأتي طالق إلا أن يمنعني أبي ذلك، بقوله: امرأتي طالق إلا أن يشاء أبي؛ صحيح، وأما قياسه ذلك على قول الرجل: امرأتي طالق إلا أن يشاء أبي؛ فليس بصحيح؛ لأن قول الرجل: امرأتي طالق إن شاء أبي طلاق مقيد بشرط، وهو مشيئة أبيه، فلا يقع عليه إلا أن يشاء أبوه؛ إذ لم يوجبه إلا بذلك، كمن قال: امرأتي طالق إن ضرب أبي غلامه، أو دخل الدار، وما أشبه ذلك، وقول الرجل: امرأتي طالق إلا أن يشاء أبي، إنما هو طلاق قيد حلف عنه بمشيئة أبيه؛ لأن تقدير قوله: امرأتي طالق إلا أن يشاء أبي، ألا تكون طالقا، ولا مشيئة لأبيه في ألا تكون طالقا؛ إذ كان هو قد طلقها بقوله لها: أنت طالق، فلا يسقط عنه الطلاق بما استثنى من مشيئة أبيه، كما لا يسقط عنه لو قال: امرأتي طالق إلا أن يضرب أبي غلامه أو يدخل الدار، وإنما يسقط عنه إذا قيده بضرب أبيه غلامه أو دخوله الدار، وهذا ما لا خفاء فيه، ولا إشكال فيه، فلا يصح أن يحمل قول الرجل: امرأتي طالق البتة إلا أن يمنعني من ذلك أبي، أو إلا أن يشاء أبي ذلك على أن مراده بذلك إنما هو امرأتي طالق البتة إن شاء أبي؛ إذ لا يحتمل ذلك اللفظ لكونه ضد مقتضاه على ما بيناه، إلا أن يقول الرجل: أردت ذلك، فينوى إذا جاء مستفتيا، ولا يصح على أصولهم أن ينوي في ذلك مع قيام البينة عليه، فضلا عن أن تحمل يمينه على ذلك، إذا لم تكن له نية، ووجه ما ذهب إليه أصبغ، والله أعلم، أنه لما كان قول الرجل في الطلاق إلا أن يشاء أبي، أو إلا أن يمنعني من ذلك أبي على ما يقتضيه الكلام لغوا لا فائدة لقائله فيه، ولا تأثير له حمل عليه أنه أراد إن شاء أبي؛ إذ لا يفرق العوام والجهال بين شيء من هذه الألفاظ، فهو يشبه أن يفتي به في الجاهل على أن من قوله في نوازله: إن الجهالة ليست بأحسن حالا من العلم في الطلاق، فقوله على كل حال ضعيف، وهذا الذي ذكرناه إنما يكون إذا حملنا قوله: امرأتي طالق، إلا أن يشاء أبي، على أنه أراد بذلك امرأتي طالق، قد ألزمت نفسي ذلك إلا أن يشاء أبي أن يحله علي، وهو الأظهر من محتملات كلامه، ويريد بقوله: امرأتي طالق إلا أن يشاء أبي، امرأتي طالق ألا ألزم نفسي ذلك إلا أن يشاء أبي، فيكون على هذا التأويل قوله: امرأتي طالق إلا أن يشاء أبي بمنزلة قوله: امرأتي طالق إن شاء أبي، فلا يلزمه طلاق امرأته إلا أن يشاء أبوه ذلك، وإلى هذا نحا أصبغ، والله أعلم.
ويحتمل قوله: امرأتي طالق إلا أن يشاء أبي وجها ثالثا، وهو أن يريد بذلك امرأتي طالق، إلا أن يفعل فلان كذا وكذا، أو إن لم يفعل فلان كذا وكذا، فيكون على هذا التأويل كمن حلف بالطلاق على غيره أن يفعل فعلا يحال بينه وبين امرأته، ويدخل عليه الإيلاء، أو يتلوم له على الاختلاف في ذلك، فهي ثلاثة أوجه تحتملها المسألة، فإن أراد الحالف أحدها حملت يمينه عليه، وإن لم تكن له نية فيختلف على أي وجه يحمل منها، وبالله التوفيق.